أمراض التهاب الأمعاء
د. نعيم أبو فريحه: أخصائي الامراض الباطنية وامراض الجهاز الهضمي
أمراض التهاب الأمعاء هي مجموعة من الامراض التي يكون أساسها التهاب مزمن في الأمعاء ويطلق المصطلح بشكل أساسي على مرضين يؤديان الى الالتهابات المزمنة وهما مرض كرون ومرض الالتهاب القولون القرحي. هذه الالتهابات المزمنة والتي تصيب الامعاء وبالتالي تؤدي الى اختلال في وظائف الأمعاء.
يتميز مرض كرون بانه قد يصيب كل جزء من القناة الهضمية من الفم حتى المستقيم وبوجود الالتهاب في الطبقات المختلفة لجدار الأمعاء في حين مرض التهاب القولون التقرحي يصيب القولون فقط ويكون الالتهاب في الطبقة السطحية من الغشاء المخاطي للقولون.
الأسباب: حتى الان لا توجد معلومات دقيقة بخصوص سبب لهذه الامراض، الا ان هنالك عوامل بيئية، وبائية وأخرى وراثية قد يكون لها دور في الاصابة بهذه الامراض.
الانتشار: هذه الامراض منتشرة بشكل كبير في بعض المجموعات الاثنية فمثلاً لدى اليهود وخاصة اليهود الأشكناز، ولكن نجدها اليوم في جميع الدول وفي معظم الاعراض الاثنية المختلفة. اما ما يخص العرب فهذه الامراض نادرة الا انها تزداد في الانتشار في العقود الأخيرة ويعود ذلك كما يبدو الى التغير الكبير في نمط الحياة بما فيها من تغير هائل بخصوص التغذية وتغير الوضع الاجتماعي والاقتصادي لدى العرب فبشكل عام تنتشر هذه الامراض لدى الطبقات العالية في السلم الاجتماعي الاقتصادي. بما يخص العرب في داخل إسرائيل فهنالك ارتفاع مستمر بنسبة انتشار هذه الامراض.
الجيل: تظهر امراض التهاب الأمعاء بشكل أساسي في جيل مبكر، 15-25 سنة ولكن قد تظهر أيضاً في جميع الأجيال.
الاعراض: اهم الاعراض التي تصيب المرضى هي اوجاع البطن المزمنة، الاسهال المزمن، فقدان الشهية والنزول في الميزان. اوجاع البطن تكون في اغلب الأحيان في أجزاء البطن السفلية اما الاسهال قد يكون مصاحب بخروج مخاط او دم. في حالة التهاب القولون التقرحي يكون النزيف الدموي او البراز مع الدم الأكثر مميز لأعراض المرض.
بشكل عام تبدأ الشكوك بوجد المرض عندما تكون الاعراض مزمنة ومستمرة لعدة أشهر على الاقل لان جميع هذه الاعراض قد تظهر في امراض حادة وتنتهي بعد عدة أيام.
التشخيص: التشخيص يتم بواسطة الاستماع وتوجيه أسئلة للمريض لفهم مُفصّل أكثر للأعراض التي يعاني منها، الفحص السريري، فحوصات الدم، تصوير الأمعاء الدقيقة بواسطة الاشعة (التصوير المقطعي المحوسب للأمعاء الدقيقة – CT-Enterography)، فحص الامعاء بواسطة المنظار (كولونسكوبيه Colonoscopy)، أخذ عينات من الأمعاء (Biopsy) وفحص الطبقة المخاطية للأمعاء الدقيقة بواسطة التنظير بواسطة الكبسولة.
فحوصات الدم تساعدنا في معرفة ان كان هنالك فقر دم حاد او مزمن بسب اعتلال الامتصاص او نزيف
مزمن.
فحص الدم لمستوى البروتين المتفاعلCRP C-Reactive Protein)) يساعدنا في معرفة ان كان هنالك التهاب في الجسم، بالطبع هذا الفحص ليس خاص للجهاز الهضمي, لأنه وبأغلب الالتهابات في الجسم يرتفع مستواه.
فحوصات البراز تساعدنا في التأكد من عدم وجود طفيليات او بكتيريا والتي قد تستطيع ان تؤدي لنفس الاعراض الحادة او الى ظهور مجدد للأعراض في حالة ان كان المرض هادئ.
فحص إضافي في البراز هو تحليل بروتين "الكالبروتيكتين": وهو علامة على وجود التهاب في الأمعاء ان كان مرتفع ويساعدنا خلال فترة التشخيص وبعد ذلك في متابعة المرض.
التصوير المقطعي المحوسب للأمعاء الدقيقة (CT) يستعمل بشكل أساسي في فترة التشخيص ويفضل استعمال التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للأمعاء الدقيقة للمتابعة وذلك لتخفيض أخطار الاشعة للمدى البعيد التي قد تكون نتيجة للاستعمالات المتكررة للتصوير المقطعي المحوسب.
العلاج: بما اننا لا نعرف المسببات لهذه الامراض فان علاجها يكون بشكل غير مباشر ولا يوجد اي علاج الذي يؤدي الى الشفاء التام من هذه الامراض.
كما اننا نعالج الحالات الحادة بواسطة المضادات الحيوية وادوية ضد الالتهاب وخاصة الستوريد (بريدنزون) كبداية 40 إلى 60 ملغرام في اليوم خلال الاسبوع الاول ومن ثم يتم تخفيض تدريجي في الجرعة كل اسبوع.
العلاج بواسطة الستوريد هو مؤقت وليس علاج مزمن فالعلاج المزمن بواسطة الستوريد يؤدي الى اعراض جانية وامراض كثيرة بما فيها ارتفاع الضغط العالي، السكري، زيادة في الوزن، هشاشة العظام، ارتفاع ضغط العين، الكاتراكت واعراض إضافية كثيرة.
معظم المرضى بحاجة الى علاجات مختلفة بشكل مزمن وذلك لمنع نوبات المرض.
هذه الادوية تشمل عدة مجموعات ومن اهمها:
الأدوية المضادة للالتهابات: ميزالازين (-ASA5): هو علاج فعال في الحالات الخفيفة -المتوسطة من مرض التهاب القولون التقرحي وتقريباً لا تستعمل في علاج مرض كرون في السنوات الأخيرة.
مثبطات جهاز المناعة: هنالك عدة ادوية التي تمنع الالتهاب وتؤثر على المناعة، تعمل هذه الأدوية بعدة طرق لكبح الاستجابة المناعية المسببة للالتهاب في الأمعاء.
تشمل هذه الأدوية المُثبطة للمناعة، هذه الأدوية قد تكون لها أعراض جانبية قد تضطرنا الى التوقف عن استعمالها ومن اهم هذه الاعراض الجانبية: التهاب البنكرياس الحاد، التهابات الكبد، الحساسية، زيادة الحساسية للعدوى (تكون أكثر امراض بكتيرية وفيروسية) وقد تؤدي الى اضطرابات في عمل النخاع العظمي وبالتالي فقر دم او نقص في خلايا الدم الأخرى. كما ان هذه الادوية قد تزيد من خطورة الإصابة بالسرطانات.
مثبط عامل نخر الورم (Anti TNFα): هي علاجات بيولوجية تثبط من عمل عامل نخر الورم αTNF والذي هو جزء هام من عملية ردة الفعل الالتهابية. هذه العلاجات تكون بواسطة حُقن تحت الجلد او للوريد.
هذه العلاجات تزيد من احتمالية الإصابة بالعدوى لذلك لا بد من التأكد من عدم وجود مرض السل المخفي بواسطة فحص الجلد لمرض السل وفحص تصوير اشعة للرئتين بالإضافة الى فحص الدم للتأكد من عدم الإصابة بالاتهاب الكبد الفيروسي من نوع ب.
مضاد الإنتغرين (Anti-Integrin): يعمل هذا الدواء على إيقاف بعض جزئيات خلايا المناعة (الإنتغرين) من الترابط مع الخلايا الأخرى في بطانة الأمعاء. يستعمل الدواء من هذه العائلة في علاج مرض الكرون والقولون القرحي, ويتم تعاطيه بواسطة حُقن للوريد.
ما يميز هذه الدواء ان تأثيره يكون بشكل أساسي في الأمعاء. قد تظهر لدى مستخدمي الدواء اعراض جانبية مثل التهاب في منطقة الأنف والحنجرة، الصداع او آلام المفاصل والظهر.
مضاد الإنترليوكين (Anti-Interleukin): علاج بيولوجي إضافي ويستخدم في علاج مرض كرون وهو جسم مضاد يستخدم للحد من الالتهاب من خلال عرقلة عمل السيتوكينات والمواد المسببة للالتهاب (الانترليوكينات). يتم تناوله من خلال حقنة اوليه للوريد ومن ثم حُقن تحت الجلد.
علاج الاعراض: علاج الاعراض يكون بشكل أساسي بواسطة استعمال أدوية تحد من كمية الاسهال ومسكنات للوجع.
التوقف عن التدخين: هنالك اهمية كبرى للتوقف عن التدخين في حالة وجود مرض كرون لان هنالك علاقة بين التدخين وصعوبة المرض والتدخل الجراحي المتكرر.
العلاج الجراحي: بعض الحالات تحتاج الى التدخل الجراحي واستئصال جزء من الامعاء وخاصة في حالات المضاعفات او عدم الاستجابة للعلاجات.
المضاعفات التي قد تظهر لدى المصابين بهذه الامراض والتي تختلف في انتشارها بين المرضين تشمل:
- انسداد معوي.
- التقرحات التي تصيب الأمعاء تسبب "ناسورا" وهو عبارة عن فتحة غير عادية تفتح بين عضوين من أعضاء الجسم (الامعاء الدقيقة او القولون مع المثانة، المهبل أو الجلد).
- توسع القولون السام.
- انثقاب القولون.
- سرطان القولون.
- كما انه قد تكون هنالك نوع من الاعراض او المضاعفات لهذه الامراض خارج القناة الهضمية مثل التهاب الجلد، العين، المفاصل، التهابات القنوات الصفراوية.
- الجلطات الدموية. تزيد أمراض الأمعاء الالتهابية خطر الإصابة بالجلطات الدموية في الأوردة والشرايين.
ختاماً امراض الالتهاب الأمعاء هي امراض مزمنة قد تكون لها مضاعفات كثيرة وصعبة للعلاج وهنالك أهمية كبيرة للمتابعة لدى طبيب اخصائي في امراض الجهاز الهضمي لاتخاذ القرارات المختلفة بخصوص إمكانيات العلاج المتاحة.
الحتلنه الاخيره بتاريخ يونيو ٢٠١٩